فصل: الْبَحْثُ الْخَامِس: فيما يَقْتَضِي فِي الدَّيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْبَحْثُ الْخَامِس: فيما يَقْتَضِي فِي الدَّيْنِ:

مِنْ عَيْنٍ وَمُقَاصَّةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الضَّوَابِطِ وَالْفُرُوعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا بَقِيَّةَ الْفُرُوعِ الْمُتَيَسَّرَةِ قَاعِدَةٌ: مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ: أَنَّ التَّعْجِيلَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِسَلَفٍ لَهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ قَدْ أَسْلَفَ لِيَسْقُطَ عَنْهُ بَعْضُ الدَّيْنِ وَيَأْخُذَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ دَيْنَهُ فَهُوَ سَلَفٌ لِلنَّفْعِ دُونَ الْمَعْرُوفِ فَيَمْتَنِعُ.
قَاعِدَة:
إِذَا شَرُفَ الشَّيْءُ وَعَظُمَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَثُرَ شُرُوطُهُ وَشُدِّدَ فِي حُصُولِهِ تَعْظِيمًا لَهُ لِأَنَّ شَأْنَ كُلِّ عَظِيمِ الْقَدْرِ أَنْ لَا يحصل بالطرق السهلة: «حُفت الحنةُ بِالْمَكَارِهِ» {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}: أَيِ الصَّابِرِينَ عَلَى آلَامِ الْمُجَاهَدَاتِ فَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: النِّكَاحُ لَمَّا شَرُفَ قَدْرُهُ بِكَوْنِهِ سَبَبَ الْإِعْفَافِ وَمِنْ أَعْظَمِ مَغَايِظِ الشَّيْطَانِ وَوَسِيلَةً لِتَكْثِيرِ الْعِبَادِ وَحَاسِمًا لِمَوَادِّ الْفَسَادِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِاشْتِرَاط الصَدَاق وَالْوَلِيّ وَالْبَيِّنَة بِخِلَاف الْبَيْعُ وَالنَقْدَانِ لَمَّا عَظُمَ خَطَرُهُمَا بِكَوْنِهِمَا مَنَاطَ الْأَعْرَاض ورؤوس الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ وَنِظَامَ الْعَالَمِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِمَا بِحَيْثُ لَا يُبَاعُ وَاحِدٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا بِنَسِيئَةٍ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ لَمَّا كَانَ حَافِظًا لِجِنْسِ الْحَيَوَانِ وَبِهِ قِوَامُ بِنْيَةِ الْإِنْسَانِ وَالْمَعُونَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَأَسْبَابُ السِّيَادَةِ وَالسَّعَادَةِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ تَخْرُجُ أَكْثَرُ مَسَائِلِ الْمُقَاصَّةِ فِي الدُّيُونِ.
تَمْهِيد:
فِي الْجَوَاهِرِ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُقَاصَّةِ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ وَتَسَاوِيهُمَا وَاخْتِلَافُهُمَا وَسَبَبُهُمَا فِي كَوْنِهِمَا مِنْ سلم أَو قرض أَو أَحدهمَا أجلهما فِي الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْحُلُولِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ عَدَمِهِ وَأَيْضًا الْمُؤَجَّلُ إِذَا وَقَعَتِ الْمُقَاصَّة عَنهُ هَل بعد كَالْحَالِّ أَوْ يُجْعَلُ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسَلَّفِ لِيَأْخُذَ مِنْ نَفْسِهِ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَأَيْضًا إِذَا اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمَانِعُ وَقُصِدَ الْمُبِيحُ هَلْ يَغْلِبُ الْمُبِيحُ أَوِ الْمَانِعُ؟ وَعَلَيْهِ اخْتِلَافُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إِذَا كَانَ الطَّعَامَانِ مِنْ سلم وَاتفقَ الأجلان ورؤوس الْأَمْوَال: هَل تجوز الْمُقَاصَّة وتعد إِقَالَة؟ قَالَ أَشْهَبُ أَوْ يُمْنَعُ لِأَنَّهُ بِيعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؟ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْجَوَاهِر: جمعت الْمُقَاصَّة المتاركة والمعارضة وَالْحِوَالَةَ فَالْجَوَازُ تَغْلِيبًا لِلْمُتَارَكَةِ وَالْمَنْعُ تَغْلِيبًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْحِوَالَةِ وَمَتَى قَوِيَتِ التُّهْمَةُ وَقَعَ الْمَنْعُ وَمَتَى فُقِدَتْ فَالْجَوَازُ وَإِنْ ضَعُفَتْ فَقَوْلَانِ مُرَاعَاةً لِلتُّهَمِ الْبَعِيدَة فتورد الْآنَ الْفُرُوعَ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ: الدَّيْنَانِ عَيْنٌ مِنْ بَيْعٍ تَسَاوَيَا صِفَةً وَمِقْدَارًا وَحَلَّ الْأَجَلَانِ أَوْ كَالْمُحَالَّيْنِ جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنَ الْفَسَادِ فَإِنِ اخْتلف الصِّفَةُ وَالْوَزْنُ أَوِ اخْتَلَفَ الْوَزْنُ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ بَدَّلَ الْعَيْنَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الصِّفَةُ وَالنَّوْعُ وَاحِدٌ أَوْ مُخْتَلِفٌ وَحَلَّ الْأَجَلَانِ أَوْ كَانَا حالَّين جَازَ إِلَّا على القَوْل يمْنَع صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلَانِ مُنِعَ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ يُقَدَّرُ الْمُعَجَّلُ سَلَفًا فَيَصِيرُ صَرْفًا مُتَأَخِّرًا وَيَجُوزُ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِالْحُلُولِ وَإِنِ اتَّفَقَا صِفَةً وَمِقْدَارًا وَلَمْ يَحِلَّ أَحَدُهُمَا أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا وَالْأَجَلَانِ مُخْتَلِفَانِ أَو متفقان بِأَن... ابْن نَافِع إِذا حملا أَوْ أَحَدُهُمَا وَمَنَعَ إِذَا لَمْ يَحِلَّا: اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ أَوِ اخْتَلَفَا وَعَنْ مَالِكٍ: الْمَنْعُ إِذَا اخْتَلَفَ الْأَجَلُ وَوَقَفَ إِذَا اتَّفَقَ وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَجْرَى عَلَى الْمَشْهُورِ إِذَا عَقَدَ الْمُؤَجِّلُ عَلَى حَالَتِهِ لَكَنْ إِذَا حَلَّ أَحَدُهُمَا عُد حِوَالَةً إِذْ يَجُوزُ بِمَا حَلَّ فِيمَا لَمْ يَحِلَّ وَلَاحَظَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَسَاوِيَ الدُّيُونِ وَعَدَمَ الضَّمَانِ فِي الْعَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ التَّعْجِيلُ وَالْتَفَتَ إِلَى بُعْدِ التُّهْمَةِ فَأَجَازَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ فِي الْعَيْنِ وَحَلَّا أَوْ حَلَّ الْأَجْوَدُ أَوْ لَمْ يَحِلَّا وَكَانَ الْأَجْوَدُ أَوَّلَهُمَا حُلُولًا جَازَ وَإِنْ حَلَّ الْأَدْنَى أَوْ هُوَ أَوَّلُهُمَا حُلُولًا امْتَنَعَ وَدَخَلَهُ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ عَدَدًا فَتَشَارَكَا عَلَى أَنْ لَا يَتْرُكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ جَازَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَجْوَدِ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوْدَةِ إِنْ بَنَاهُ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ فَصَحِيحٌ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَب مَا قدمْنَاهُ وَمَا ذكر مِنَ اخْتِلَافِ الْعَدَدِ فَإِنِّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي مَنْعِهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ بِتَفَاضُلٍ مَعَ مَا يَدْخُلُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ التَّرَاخِي إِذَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَا من قرض واتفاقا صِفَةً وَمِقْدَارًا وَحَلَّا أَوْ أَحَدُهُمَا جَازَ وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَحِلَّا عَلَى الْمَنْصُوصِ وَقَدْ يَجْرِي عَلَى رَأْيِ ابْنِ نَافِعٍ الْمَنْعُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا وَاتَّحَدَ الْوَزْنُ وَاخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا فَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنْ حَلَّ أَجَلُهُمَا أَوْ كَانَا حَالَّيْنِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّا لَمْ يَجُزْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ مُحْرِزٍ وَيَجْرِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ فَإِنِ اخْتَلَفَ الْوَزْنُ يَسِيرًا جَازَ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهِيَ فِي الْقَرْضِ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَثُرَتْ جَرَتْ عَلَى الْخِلَافِ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ إِذَا كَثُرَتْ وَجَوَّزَهُ اللَّخْمِيُّ إِذَا كَانَ أَكْثَرُهُمَا أَوَّلَهُمَا قَرْضًا وَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ آخِرَهُمَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ حَلَّ الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّا لَكَنْ كَانَ أَقَلَّهَا حُلُولًا امْتَنَعَ وَإِنْ حَلَّ الْأَكْثَرُ أَوْ هُوَ أَوَّلُهُمَا حُلُولًا وَأَوَّلُهُمَا قَرْضًا جَازَ مَا لَمْ يَكُنِ الْأَكْثَرُ آخِرَهُمَا قَرْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ إِذَا كَانَا مِنْ بَيْعٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ جَازَ إِنْ حَلَّ الْأَجَلَانِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّا أَوْ أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْخِلَافِ فِي حُكْمِ الْمُؤَجَّلِ.
فَرْعٌ:
قَالَ: إِنْ كَانَا طَعَامًا من بيع وَاخْتلفَا أَو رُؤُوس الْأَمْوَال امْتنع وَإِن اتفقَا جِنْسا أَو رُؤُوس أَمْوَالِهِمْ فَإِنِ اخْتَلَفَ الْأَجَلَانِ امْتَنَعَ أَوِ اتَّفَقَا مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَ أَشْهَبُ نَظَرًا لِلْمُبَايَعَةِ أَوِ الْإِقَالَةِ وَإِنْ كَانَا مِنْ قَرْضٍ وَاتَّفَقَا جَازَ حلَّت الْآجَالُ أَوْ لَمْ تَحِلَّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ وَحَلَّا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّا أَوْ أَحَدُهُمَا: فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْجَوَازُ لِأَشْهَبَ وَالتَّفْرِقَةُ إِلَى أَجَلِ السَّلَمِ جَازَ أَوْ حَلَّ الْقَرْضُ وَحْدَهُ امْتَنَعَ نَظَرًا إِلَى صُورَةِ الْمُبَايَعَةِ فِي الطَّعَامِ أَوِ الْإِقَالَةِ وَالْإِقَالَةُ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي السَّلَمِ يُسْتَحَقُّ دُونَ الْقَرْضِ وَلَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ.
فَرْعٌ:
قَالَ: إِذَا كَانَا عَرْضَيْنِ وَاسْتَوَيَا فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ جَازَ مُطْلَقًا وَأُلْغِيَ تَفَاوُتُ الْآجَالِ وَالْآمَالِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي الْعُرُوضِ وَإِنِ اتَّفَقَا جِنْسًا لَا صِفَةً وَاتَّفَقَتِ الْآجَالُ جَازَ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْأَجَلِ يُضْعِفُ التُّهْمَةَ على المكايسة وَإِن اخْتلف الْآجَالُ وَلَمْ يَحِلَّا وَهُمَا مِنْ مُبَايَعَةٍ امْتَنَعَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْأَدْنَى: ضَعْ وتعجَّل وَالْأَجْوَدُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى طَرْحِ الضَّمَانِ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَا مِنْ قَرْضَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قرضا وَالْآخر بيعا وَحل اقرض أَو هُوَ ألهما حُلُولًا امْتَنَعَ لِأَنَّ الْحَالَّ أَوِ الْأَقْرَبَ إِنْ كَانَ الأجود فَهُوَ حط للضَّمَان وَالْوَاجِب فِي الْمُسْلَمِ بِمَا بَذَلَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْقَرْضِ إِنْ كَانَ الْقَرْضُ الَّذِي حَلَّ هُوَ الْأَدْنَى فَقَدْ وَضَعَ مِنَ السَّلَمِ الَّذِي لَهُ عَلَى أَنْ عَجَّلَ لَهُ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ: أَنَّ مَا حَلَّ أَوْ أَقْرَبَ حُلُولًا كَالْمُقْتَرَضِ الْمَدْفُوعِ عَنِ الدَّيْنِ الْأَخِيرِ فَيَتَّقِي أَحَدَ الْفَسَادَيْنِ فَيَمْنَعُ أَوْ لَا يَقَعُ فِي أَحَدِهِمَا وَقَدْ عَلِمْتَ أَن الْعرض سلما يَمْتَنِعُ تَعْجِيلُ الْأَجْوَدِ مِنْهُ أَوِ الْأَدْنَى وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ فِي الْأَدْنَى لِ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ بِخِلَافِ الْأَجْوَدِ لِأَنَّ لَهُ التَّعْجِيلَ فِي الْقَرْضِ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّهُ لِإِفْضَائِهِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَمِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْقَرْضِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ: تَجُوزُ الْحِوَالَةُ بِطَعَامِ السَّلَمِ عَلَى طَعَامِ الْقَرْضِ وَبِالْعَكْسِ وَبِطَعَامِ الْقَرْضِ عَلَى الْقَرْضِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ اخْتَلَفَتِ الْآجَالُ أَمْ لَا أَوْ أَجَلُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَمْرَاءَ وَالْآخَرُ مَحْمُولَةً فَيمْتَنع إِلَّا أَن يحلا لَيْلًا يَكُونَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَيَمْتَنِعُ سَلَمٌ مِنْ سَلَمٍ حَلَّتِ الْآجَالُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ بيع الطَّعَام قبل قبض فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ سَلَمِ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ وَحَلَّا وَالصِّفَةُ وَالْمِقْدَارُ مُتَّفِقٌ جَازَ لِأَنَّ الْقَرْض مَوضِع الْمَعْرُوف وَإِن لَا يَحِلَّا أَوْ أَحَدُهُمَا امْتَنَعَ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ يُشْعِرُ بِالْمُكَايَسَةِ فَيَكُونُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
فَرْعٌ:
قَالَ: لَا تَأْخُذْ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ أَوِ الْمُؤَجل مَنَافِع دَار أَو أَرض رَوِيَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَزْهَتْ لِأَنَّهَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا فَهُوَ كَفَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَوَافَقْنَا (ش) و (ح) فِي دَيْنِ السَّلَمِ دُونَ دَيْنِ الْقَرْضِ قَالَ سَنَدٌ: وَعَنْ مَالِكٍ: الْجَوَازُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الرِّقَابِ تَسْلِيمٌ لِلْمَنَافِعِ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَدَاقًا فَسَلَّمَهَا وَجَبَ على الْمَرْأَة تَسْلِيم نَفسهَا وَلَكِن كِرَاءَ الدَّارِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ فَلَوْ كَانَتْ دَيْنًا لامتنع لنَهْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَعَنْهُ: إِذَا كَانَ هَذَا يُسْتَوْفَى قَبْلَ أَجْلِ الدَّيْنِ جَازَ وَإِلَّا امْتنع لَيْلًا يَكُونَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الدَّارُ وَنَحْوُهَا مُعَيَّنَةً وَإِلَّا فَلَا.
فَرْعٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ جَائِزٌ إِذَا فَسَخَ دَنَانِيرَ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً فِي مِثْلِهَا جَوْدَةً وَمِقْدَار أَوْ فِي أَدْنَى لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَيَمْتَنِعُ فِي الْمُعَجَّلِ وَالْأَجْوَدِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ فِي دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُسْتَأْخِرٌ وَلَا فِي عَرْضٍ لِأَنَّهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ أَوْ تُرْبِيَ وَكَذَلِكَ الْعَرْضُ فِي الْعَيْنِ أَوْ قَبْلَ الْأَجَلِ لِيُؤَخِّرَهُ لِأَبْعَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا بِزِيَادَةٍ وَفَسْخُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ لِيَأْخُذَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ مَمْنُوعٌ نَقْدًا وَيَمْتَنِعُ فَسْخُهُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ قِيمَةً.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ: لَا تَبِعْ بِالدَّيْنِ سِلْعَةً بِخِيَارٍ أَوْ أَمَةً تَتَوَاضَعُ أَوْ سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى الصِّفَةِ لِأَنَّهَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ لِأَنَّهُمَا مُعَيَّنَانِ لَا فِي الذِّمَّة دينا.
قَالَ اللَّخْمِيُّ: إِذَا أَخَذَ طَعَامًا فَكَثُرَ كَيْلُهُ فَيَتَأَخَّرُ الْيَوْمَيْنِ لِأَجْلِ الْمَحْمُولَةِ أَجَازَهُ مَالِكٌ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ إِذَا شَرَعَ فِي الْكَيْلِ وَهُوَ يُقِيمُ شَهْرًا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي دَفْعِ ثَمَنِ التَّأْخِيرِ.
فَرْعٌ:
قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ: إِذَا أَمَرْتَهُ بِدَفْعِ دَرَاهِمَ لَكَ عَلَيْهِ لِمَنِ استقرضكما فَأَعْطَاهُ بِهَا دَنَانِيرَ بِرِضَاهُ جَازَ وَلَيْسَ لَكَ مَنْعُهُ وَاسْتُحِبَّ لَكَ اتِّبَاعُ الْآخِذِ بِدَرَاهِمَ وَاخْتَلِفُ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَوْ قَبَضَ فِيهَا عَرْضًا لَمْ تُتْبِعْهُ إِلَّا بِدَرَاهِمَ لِأَنَّكَ إِنَّمَا أَسْلَفْتَهُ ذَلِكَ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَهَبٍ وَعَرْضٍ وَلَوْ أَمَرْتَ لَهُ بِدَنَانِيرَ لَكَ دَيْنٌ وَلِلْمَأْمُورِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَلَهُ مُقَاصَّتُهُ إِنْ حَلَّ الْأَجَلَانِ وَإِنْ أَمَرْتَهُ يَقْضِي عَنْكَ دَنَانِيرَ فَدَفَعَ دَرَاهِمَ فِيهَا عَرْضًا أَوْ طَعَامًا اتَّبَعْتَهُ بِمَا أَمَرْتَهُ بِهِ لَا غَيْرِهِ مِنْ تَصَرُّفِهِ مَعَهُ وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّهُ لَا يَرْبَحُ فِي السَّلَفِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إِذَا أَمَرْتَهُ بِدَنَانِيرَ فَدَفَعَ دَرَاهِمَ: لِمَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ الْمَأْمُورُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: تَرْجِعُ بِمَا أَمَرْتَهُ وَعَلَى قَوْلِهِ: لَا يَرْبَحُ فِي السَّلَفِ إِذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ عَرْضًا: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْمَأْمُورُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَرْضِ أَوِ الدَّرَاهِمِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَمَّا فِي أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ لَوْ أَمَرْتَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَدَفَعَ دَرَاهِمَ فِيهَا تَرْجِعُ لِأَنَّ أَمْرَكَ إِنَّمَا كَانَ بِالْوَرِقِ وَعَنْ مَالِكٍ: يُخَيَّرُ أَنْ يَدْفَعَ لَكَ مَا دَفَعَ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ يَوْمَ الدَّفْعِ فَيُعْطِيَكَ الْأَقَلَّ وَرَجَعَ عَنْهُ مَالِكٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَوْ دَفَعَ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا تَعَيَّنَ نِصْفُ دِينَارٍ مَا بَلَغَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخْذ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ دِينَارًا فَصَرَفَهُ الطَّالِبُ فَأَخَذَ نِصْفَهُ وَرَدَّ نِصْفَهُ إِلَى الْمَأْمُورِ.
فَرْعٌ:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَمْتَنِعُ وَضْعُ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا عَلَى أَنْ يُحجها لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: إِنْ حَمَلْتَنِي إِلَى أَهْلِي فَلَكَ صَدَاقِي صَدَقَةً عَلَيْكَ فَامْتَنَعَ فَخَرَجَتْ مُبَادِرَةً إِلَى أَهْلِهَا لِتَقْطَعَ الصَّدَقَةَ سَقَطَ عَنْهُ الصَّدَاقُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ كَذَلِكَ فَلَا.
فرع:
قَالَ اللَّخْمِيُّ: إِذَا سَلَمَتِ الْمُقَاصَّةُ مِنَ الْفَسَادِ الْآنَ اعْتُبِرَ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ: ثَمَنُ قَمْحٍ وَثَمَنُ تَمْرٍ امْتَنَعَ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِاتِّهَامِهِمَا فِي بَيْعِ الْقَمْحِ بِالتَّمْرِ وَفِي الْكِتَابِ: إِلَّا أَنْ يكون العقدان نَقْدا وَالْأول مُؤَجَّلًا وَالثَّانِي نَقْدًا وَأَخَذَ عَنِ الْمَبِيعِ أَوَّلًا مِثْلَ مَا يُبَاعُ بِهِ نَقْدًا فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَكْثَرَ عَيْنًا امْتَنَعَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا عَرْضَيْنِ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِيهَا فَإِنِ اتَّفَقَ رَأْسُ الْمَالِ أَوِ الْأَوَّلُ أَكْثَرَ جَازَ أَوِ الْأَوَّلُ أَقَلَّ امْتَنَعَ لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ دَنَانِيرَ امْتَنَعَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ صرف مُسْتَأْجر وَقِيلَ: يَجُوزُ إِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ الْأَوَّلِ أَقَلَّ فِيمَا يَكُونُ الصَّرْفُ دُونَ سَلَمِ الْأَوَّلِ.
فرع:
قَالَ: اخْتلف إِذا تَضَمَّنت الصّرْف الْمُسْتَأْجر أَو بيع الطَّعَام قبل قَبضه هَل نفسخ الْمُقَاصَّةُ خَاصَّةً لِأَنَّهَا الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْفَسَادِ أَوِ الْمُتَضَمِّنَةُ الْمَبِيعَ الْأَخِيرَ؟ وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ قَوْلَانِ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ لَيْسَ مُحَقَّقًا إِلَّا أَن تَجْرِيَ بَيْنَهُمَا عَادَةٌ فَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي تمهيد: نذْكر قَوَاعِد شَرْعِيَّة تتبنى عَلَيْهَا الْمُقَاصَّةُ وَبُيُوعُ الْآجَالِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ سَدُّ الذَّرَائِعِ لِأَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ يُقَدِّرُ الْأَسْبَابَ الْمُبِيحَةَ مَعْدُومَةً وَالْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ مَوْجُودٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فِي الشَّرْعِ فَأَبْسُطُ الْقَوْلَ فِيهِ فَأَقُولُ: التَّقْدِيرُ إِعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَإِعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَإِيمَانِ الصِّبْيَانِ قَبْلَ تَعَلُّمِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبَالِغُونَ حَالَةَ الْغَفْلَةِ وَكَفْرِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَعَدَالَةِ الشُّهُودِ حَالَةَ الْغَفْلَةِ وَكَذَلِكَ فِسْقُ الْفُسَّاقِ وَالْإِخْلَاصُ وَالرِّيَاءُ فِيمَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَالشَّرْعُ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ حَالَةَ عَدَمِهَا وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهَا وَيَبْعَثُهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ النِّيَّاتُ فِي الْعِبَادَاتِ حَالَةَ الْغَفْلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّاوِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِالنِّيَّةِ حِينَئِذٍ فَالثَّابِتُ فِي حَقِّهِ النِّيَّةُ الحُكمية دُونَ الْفِعْلِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ فِي الْعُلَمَاءِ وَالْفِقْهُ وَالشِّعْرُ وَالطِّبُّ وَالصَّدَاقَةُ والعدارة وَالْحَسَدُ حَالَةَ الْغَفْلَةِ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَكَذَلِكَ خَصَّصَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاسِدَ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِد إِذا حسد} فَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ: إِذَا حَسَدَ لِيَتَّقِيَ الْحَسَدَ الْفعْلِيّ لِأَنَّهُ الْبَاعِث على أذية الحسود بِخِلَافِ الْحُكْمِيِّ وَكَذَلِكَ إِذَا بَاعَ عَبْدًا سَارِقًا فَيُقْطَعُ يُقَدَّرُ قَطْعُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ نَشَأَ فِي الْمَبِيعِ بِسَبَبِ التَّدْلِيسِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُقَدَّرُ تَقَدُّمُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالدُّيُونُ تُقَدَّرُ فِي الذِّمَمِ وَالنَّقْدَانِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَيُقَدَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَمْلُوكَاتِ وَالرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ وَالزَّوْجِيَّةُ فِي مَحَالِّهَا وَإِعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَالْمَاءِ مَعَ الْمُحْتَاجِ لَهُ لِتَعْطِيشِهِ وَالرَّقَبَةُ عِنْد الْمُكَفّر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ وَمِنَ النَّقْدَيْنِ إِعْطَاءُ الْمُتَقَدِّمِ حُكم الْمُتَأَخِّرِ وَالْمُتَأَخِّرِ حُكْمَ الْمُتَقَدِّمِ فَالْأَوَّلُ كَمَنْ رَمَى سَهْمًا أَوْ حَجَرًا فَأَصَابَ بَعْدَ مَوْتِهِ شَيْئًا فَأَفْسَدَهُ فَإِنْهُ يَضْمَنُهُ وَيُقَدِّرُ تَقَدُّمَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ مُتَأَخِّرَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَنِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَيُقَدَّرُ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُورَثَ عَنْهُ وَالثَّانِي كَتَقْدِيرِ الْحُرُوفِ السَّابِقَةِ عَلَى الْحَرْفِ الْأَخِيرِ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَسَائِرِ صِيَغِ الْعُقُودِ مَعَ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِتِلْكَ الصِّيَغِ وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ أَوَّلُ الْكَلَامِ عِنْدَ آخِرِهِ لَمَا اعْتُبِرَ الْحَرْفُ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا شَرْعِيًّا وَكَذَلِكَ تُقَدَّرُ النِّيَّةُ فِي آخِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً فِي أَوَّلِهَا فَنُعِدُّهُ نَاوِيًا فِي آخِرِهَا وَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنِ النِّيَّةِ حِينَئِذٍ بل كَانَت النِّيَّة سَابِقَة فر أول الْعِبَادَات: وَلَا يَكَادُ يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الْعُقُودِ عَنِ التَّقْدِيرِ وَإِيرَادُهُ عَلَى الْمَعْدُومِ أَمَّا الْبَيْعُ فَقَدْ يُقَابِلُ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ إِجْمَاعًا كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ وَالْإِجَارَةُ إِنْ قُوبِلَتْ بِمَنْفَعَةٍ كَانَا مَعْدُومَيْنِ أَوْ بِعَيْنٍ كَانَتِ الْمَنَافِعُ مَعْدُومَةً وَالسَّلَمُ وَالْقَرْضُ يَقْتَضِي عِوَضُهُ مَعْدُومًا وَالْوِكَالَةُ إِذَنْ فِي مَعْدُومٍ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْجُعَالَةُ وَالْوَقْفُ تَمْلِيكٌ لِمَعْدُومٍ تَارَةً لِمَوْجُودٍ وَتَارَةً لِمَعْدُومٍ وَالرَّهْنُ فِي دَيْنٍ مَعْدُومٍ وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا بِنَفْسِهِ وَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ بِالدَّيْنِ الْمَعْدُومِ وَالْعَوَارِيُّ تَمْلِيكٌ لِمَعْدُومٍ وَتَمْلِيكُ اللُّقَطَةِ مُقَابِلَةُ مَوْجُودٍ بِمَعْدُومٍ وَحِفْظُ الْوَدِيعَةِ الْوَاجِبُ مَعْدُومٌ يُوجَدُ يَقِينًا مُسَاوٍ كَذَلِكَ مَنَافِعُ النِّكَاحِ وَالنَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكَفَالَة الْتِزَام الْمَعْدُوم وَالْحوالَة بيع مَعْدُوم بِمَعْلُوم وَالصُّلْحُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى الْمَعْدُومِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ عِمَادُ الشَّرِيعَةِ وَمُعْظَمُهَا وَالْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي وَالْإِبَاحَاتُ وَالْأَدْعِيَةُ وَالْوَعْدُ والوعيد والبشارة والنذرة وَالشُّرُوطُ وَأَجْوِبَتُهَا لَا تَتَعَلَّقُ جَمِيعُ هَذِهِ إِلَّا بِمَعْدُومٍ فَهَذَا التَمْهِيدُ وَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ وَإِنْ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالدُّيُونِ فَهِيَ عَظِيمَةُ النَّفْعِ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْفَقِيهُ حَاجَةً شَدِيدَةً إِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فُحُولِ الْعُلَمَاءِ وَبِسَبَبِ الْإِحَاطَةِ بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ تَتَّضِحُ الْمَدَارِكُ وَيَتَمَيَّزُ الصَّوَابُ فِي الْمَذَاهِبِ مِنَ الْخَطَأِ وَتَنْشَأُ الْفُرُوقُ وَالتَّرَاجِيحُ وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ يَتَمَيَّزُ الْجَذَعُ مِنَ الْقَارِحِ وَالصَّالِحُ لِضَبْطِ الْفِقْهِ مِنَ الطَّالِحِ.